ليلة في المشرحة ..
أنا بشتغل في فرز الجثث، ممكن تكون الشغلانة دي جديدة عليك وأول مرة تسمع عنها، باختصار فيه جثث كتير بتيجي عندنا ومنها بيكون غير معروفة الهوية، يعني لا معاها بطاقة ولا تليفون ولا أي حاجه نعرف صاحبها من خلالها، وأحسن جثة بتيجي بتكون عبارة عن قطعتين باقي الجثث فيه بيكون تلاتة وخمسة لحد ما خيالك يسمحلك، شغلانتنا إننا بنجمع كل جثة لوحدها “زي لعبة المكعبات” وبنحطها في التلاجة لحين تحقيق النيابة ما ينتهي وبعدين نشوف هنعمل فيها إيه، شغلانة مقرفة طبعا بالنسبالك وبالنسبالي لما كنت جديد، لكن بمرور الوقت اتعودت عليها وبقيت اتعامل مع الجثث عادي، جثث جاية من تصادم حوادث سيارات أو قطر مع سيارات أو جرايم غامضة أو جرايم شرف وغيرهم، جثث الأطفال بس هي اللي بتعامل معاها بحنية وحرص أما باقي الجثث بعاملهم عادي زي بعضهم.
وفي ليلة جاتلنا جثة بنت عندها حوالي 19 سنة، الجثة كانت قطعة واحدة ودي حاجه جديدة بالنسبالي لكن لما قربت منها ودققت فيها لقيت فيه فتحة بالطول في بطنها من أولها لآخرها ومتخيطة وكل حاجه، مخي راح على طول إنها حادثة شرف وخلاص يعني، بس سألت نفسي إيه اللي جابها عندنا؟
وأنا بوقّع على الاستلام سألت الشخص اللي استلمتها منه قالي إن القسم عندها مليان والطبيب المسؤول قرر ينقلها عندنا لحد ما يبان لها صاحب.
البنت ملامحها هادية ومغمضه عينها في هدوء كإنها نايمة، وشها فيه ملامح البراءة ودا بسبب صغر سنها لإنها لسه مشافتش حاجه في الدنيا.
مش عارف ليه شعور داخلي خلّاني أعاملها كمعاملة الأطفال، اخترتلها أحسن تلاجة سليمة وكمان التلاجات اللي حواليها مفيهاش جثث تزعجها، وبمجرد ما دخلتها وقفلت التلاجة خلاص راحت من بالي، زيها زي غيرها.
فضلت موجودة عندي حوالي أسبوع، لحد ما واحد جيراني من البلد اتصل بيا وقالي إنه اتطرد من الشغل من فترة وساب السكن ومش عاوز يرجع البلد ومحتاج أي مكان ينام فيه لمدة يوم أو يومين لحد ما يدور على سكن جديد وشغل جديد.
طبعا أنا مراتي وأولادي معايا فمش هينفع استضيفه في شقتي فقولتله عندنا غرفة استراحة في مشرحة المستشفى ممكن تقضي فيها يومين وأكتر كمان لو حابب، قالي مشرحة مشرحة مش مهم أجيلك امتي؟
قولتله النهاردا لو عاوز، وبالفعل بعد المغرب كان عندي، وقتها كنت خلصت الشيفت ومستنيه، لما جي طلبتله عشا وأكلت معاه حاجه بسيطة وبعدها خدته ووصلته للاستراحة، أنا بعتني بيها جدا لإن محدش بيستخدمها غيري وأحيانا ببات فيها لو عندنا ضغط شغل، فيها تليفزيون صغير وسرير نضيف وحمام معقول واديته المفتاح وقولتله استريح هنا لحد ما ربنا يحلّها وبكرة الصبح متفطرش عشان هجيب فطار ونيجي نفطر سوا.
شكرني جدا وكانت أحيانا دموعه هتغلبه وهو بيتكلم بس بيحاول يتماسك وأنا متأكد إن بات ليلته ودموعه على خده.
بصوا هو أنا مش عارف اللي حكاهولي بعد ما رحتله تاني يوم حقيقة ولا كذب لإن فيه كلام كتير مصدقتوش بالرغم من الحلفانات اللي حلفها لما شاف نظرات الاستنكار في عيني، لكن لما خبطت الباب عليه وفتحلي حضنّي وجسمه بيتنفض وعرقان وصوته متقطع.
عاوزين تعرفوا اللي حصل معاه؟
هحكيلكوا ..
..
أنا عمري ما نمت في مشرحة قبل كدا، بس الظروف هي اللي أجبرتني، الحمد لله إني لقيت مكان أنام فيه اليومين دول لحد ما اشوف شغلانة وادور على سكن قريب منها، استراحة المشرحة كانت هادية جدا، بصراحة المكان كله هادي ودا في خد ذاته شئ يوتر الأعصاب، فيه ناس بتتوتر من الزحمة أو الصوت العالي وبيحبوا الهدوء، لكن لو جربوا الهدوء في مكان مخصص للجثث صدقوني هيتوتروا أكتر.
لكن أنا في إيه ولا في إيه؟
طردت كل حاجه من دماغي ودخلت الحمام خدش دش ع السريع مناسب لإمكانيات الحمام وخرجت غيرت هدومي ومددت على السرير وفي دقايق كنت نمت من التعب والحزن.
بالليل الباب خبّط عليا بهدوء واحترام فصحيت، استغربت المكان اللي أنا نايم فيه لكن بعد لحظات افتكرت اللي حصل معايا وإني نايم في استراحة مشرحة، صوت الباب خبّط تاني بشكل محترم ومنتظم برضو، أنا قافل الباب من جوه زي ما بلدياتي قالي يعني، فظنيت إن اللي بيخبّط دا هو المناوب اللي بيمسك فترة مسائية، ماهي الاستراحة أكيد مش بتاعة بلدياتي بس، قولت أكيد عاوز ياخد حاجه سكر أو شاي مثلا أو شي خاص بيه هنا، قومت فتحت الباب ملقيتش حد.
بصيت في الممر شمال ويمين ملقيتش حد، بصراحة حسيت بتأنيب الضمير، أكيد الراجل عارف إني نايم هنا ولما خبط ومصحيتش راح مشي عشان ميزعجنيش، وأنا برضو خدت وقت كتير ما ما استوعبت وقومت فتحت الباب.
رجعت تاني ومددت على السرير بحاول استدعي النوم وقبل منام الصوت خبّط تاني لكن بشكل مفزع وبسرعة، قومت في ثواني فتحت الباب لقيت بنت بتبص حواليها مفزوعة وهي بتخبّط ومش شايفه إن الباب اتفتح لسه، ولنا بصّت قدامها وشافتني وشافت الباب مفتوح راحت داخلة بسرعة وقالتلي اقفل الباب اقفل.
شكلها وفزعها خوّفني أنا كمان رحت قافل الباب بسرعة ووقفنا لحظات باصين لبعض مش فاهم حاجه.
دي مين؟
وإيه اللي جابها هنا؟
وبتعمل إيه في وقت متأخر زي دا؟
معقول بلدياتي مظبّط الاستراحة ومنضفها كأنها غرفة في فندق عشان يجيب فيها نسوان؟
ويقولي أحيانا ببات فيها لو فيه ضغط شغل، هاه، قال ضغط شغل قال.
لكن البنت شكلها صغير وواضح من لبسها وهيئتها إنها محترمة، لالا اليومين دول محدش عارف المحترمة من اللي مش محترمة، اختلط الحابل بالنابل زي ما بيقولوا، كل التساؤلات دي جات في بالي في ثواني وفي الآخر قولتلها خير فيه إيه؟
اترددت قبل ما تجاوب عليا وردت عليا بسؤال، الأستاذ سيد فين؟
الاستاذ سيد آه، تبقى الاستراحة مخصصة للنسوان أكيد، قولتلها إنه مشي من بدري، ولما سكتت قولتلها الاستاذ سيّد مش موجود، عشان تتلم وتمشي يعني، فضلت ساكته وباصة في الأرض، أنا كنت سامع صوت أفكارها تقريبا، كانت عايزة تقولي طب ممكن أبات الليلة هنا؟ أو يمكن خيالي الو*خ صورلي كدا، راحت أخيراً قالتلي أصلي مش مرتاحة، قولتلها في نفس الثانية ولا أنا كمان مرتاح ولا سيد مرتاح ولا هيثم مرتاح -هيثم دا واحد صاحبي- محدش مرتاح في الدنيا دي، كان من الواضح إنها قالت جملتها الأخيرة منتظرة مني أسألها مش مرتاحة ليه؟ فتبدأ تحكيلي شريط مدته ساعة ونص عن أبوها اللي مات وهي صغيرة وامها اللي اتجوزت من بعد أبوها وجوز امها اللي بيعاملها وحش، وبدأت نظراته تتغير ليها بعد ما شافها بتكتبر وتبقى مزة قدامه -لإنها كانت مزة فعلا- وإنها مش بتعمل كدا غير عشان مضطرة لإنها هربت من البيت وحكاوي كتير هتصدع راسي بيها، فالحمد لله إني رديت عليها على طول، ولما سمعتني بقولها محدش مرتاح ونبرتي خدت منعطف زعيق راحت قالت وهي لسه باصة في الأرض، سلامتك.. بس ياريت لما سيّد ييجي تقولة أميرة مش مرتاحة، وهو هيفهم على طول، وسابتني وخرجت.
قال أميرة مش مرتاحة!
وأنا مالي إذا كانت مرتاحة ولا لا؟
مش كفاية اللي أنا فيه؟
طفيت النور ورجعت للسرير تاني عشان أكمل نوم مع إني عارف إني مش هعرف أنام، طالما صحيت خلاص. لكن حاولت أنام وحاولت وبمجرد ما قربت أدخل في النوم الباب خبّط تاني، لعنت أميرة وسيد مع بعض وقومت متعصب فتحت النور وفتحت الباب ملقيتش حد، وبعدين في الليلة السودة دي؟
الغريب إني بمجرد ما هقفل الباب سمعت صوت مياه في الحمام بعدها زي ما تكون حاجه وقعت فيه واتخبطت بالأرض، سبت الباب ورحت الحمام أشوف فيه إيه لقيت كل حاجه مكانها عادي زي ما سبتها! وبعديين؟
الأغرب بقى إني لما رجعت أقفل الباب لقيتها واقفه بتترعش أكتر من المرة الأولى وبتقولي أنا مش هرجع مكاني تاني واللي يحصل يحصل. من عادتي لما أتعصب جدا بدوس على سناني في محاولة لكتم غضبي بقدر الإمكان وبعد ثواني من محاولة السيطرة على نفسي كنت هسألها واضطر اسمع منها، لكن الشيطان لعب في دماغي، مش هيا قالت بنفسها مش هرجع مكاني تاني؟ خلاص اقولها تنام عندي هنا، هي تنام على السرير وأنا في الحته الفاضيه اللي ع الأرض دي، أو على الكرسي اللي هناك دا، إيه اللي أنا بفكر فيه دا؟ حاولت أسيطر على شيطاني شويه وقولتلها بهدوء خير، حصل إيه؟
قالتلي أنا لسه جديدة في المكان هنا يادوب أسبوع وبتحصل معايا مواقف وحشه ومحدّش مقدر ولا محترم نفسه كإن معاهم اخوات بنات.
بمجرد ما قالت الكلمتين دول نظرتي ليها اتغيرت 180 درجة، أنا كنت فاكرها في البداية استغفر الله العظيم لكن واضح إنها بتشتغل هنا، قولتلها بأدب بعد ما نبرة صوتي اتغيرت ناحيتها، طب أنا أساعدك إزاي؟
من عادة المشرحة إنها بتكون باردة جدا عشان الجثث اللي فيها تفضل في حالة سليمة, على حد علمي يعني, لكن مكنتش متصور إنها هتكون بالبرودة دي, البرد بيدخل في عضمي والغريبة إن أميرة واقفة عادي مش حاسة بأي برد مع إن هدومها أخف من هدومي, أنا كان نفسي أتنفض من البرد بس ماسك نفسي بالعافية عشان منظري قدامها.
سألتها وأنا ببص حواليا هما فين؟ قالتلي مين؟
قولتلها اللي هنمثل قدامهم إني خطيبك.
قالتلي كل واحد موجود في مكان لوحده, وممكن أي حد فيهم ييجي في أي لحظة يعني, مش كلنا موجودين هنا.
فضلت واقف مستني هنعمل أي ولا هنروح فين ولما لقتني ببص حواليا بملل قالتلي اقعد هناك وشاورتلي في ركن المشرحة على مكتب صغير وكرسي بلاستيك أصغر، وقالتلي اقعد انت هنا وأنا هروح أعمل حاجه نشربها, تشرب شاي معايا؟
الموقف كان محتاج مشروب سخن فعلا, بس محتاج أكتر مغادرة المكان بالكامل ولإن مينفعش أقولها كدا بعد ما وافقت على طلبها قولتلها ماشي اشرب.
اتمشيت ناحية المكتب وقعدت على الكرسي بالراحة لإن شكله ضعيف وممكن رجله تتكسر في أي لحظة.
أميرة ابتسمت ابتسامة رضا كبيرة جدا وقالتلي مش هتأخر عليك وسابتني وخرجت.
مفيش شغل ومفيش سكن وسيد ومشرحة وأميرة وشاي في صحة الميتين, فاضلك إيه تشوفه تاني يا فقري؟
كنت سرحان بكلم نفسي وتقريبا نسيت برودة المكان أو جسمي اتعود عليها, ولما خلصت كلام مع نفسي لقيتني ببص تلقائي على تلاجة الجثث اللي قدامي.
هي الجثة مسموحلها تقعد في التلاجة كام يوم؟
طب يعني مفيش أي ريحة بتطلع منها لو قعدت فترة طويلة مثلا شهر أو شهرين ولا الجثة ليها مدة معينة ولو زادت بيدفنوها على طول؟
طب مياخدوا الجثث دي يدوها لطلبة الطب يتعلموا فيها وفي الاّخر يدفنوها, بدل ما الطلبة بتروح تدفع للحفارين ويطلعولهم جثث من القبور وينتهكوا حرمتها.
لكن لا لا أكيد ممكن فيه جثث قرايبهم بييجوا يدوروا عليهم ويلاقوهم هنا.
هو الميت صحيح بيحس باللي حواليه زي ما الشيوخ بيقولوا؟ يعني الجثث حاسين بيا دلوقتي وبوجودي زي مانا حاسس بيهم؟
بمجرد ما سألت نفسي السؤال دا سمعت صوت طقة خفيفة, كإنك بتضرب حديدة بحديدة, أو كإن حصل انزلاق في المفصلات بتاعة تلاجة من التلاجات، وفي نفس الثانية اللي سمعت فيها الصوت وقفت مفزوع وأنا بفكر إن ممكن جثة من الجثث تكون بعتتلي إشارة أو إجابة على سؤالي الأخير، يا ليلة سودة مسوّدة بسواد.
قومت وكنت هجري من الخضة لكن بعد ثواني من التفكير نفسي أقنعتني إنها صدفة وياما بتحصل معانا واحنا في البيت
، سواء مثلا مع الدولاب أو السرير أو الكنبة, أحيانا بنسمع منهم نفس الصوت, ونفتكره عادي, مع إنه ممكن يكون عفريت كان واقف ولما تعب من الوقوف قعد على الكنبة من غير ما ياخد باله إنها هتعمل صوت وعمل الصوت دا, أو مثلا كان برّه الدولاب ودخل تاني فعمل الصوت دا, أو كان نايم على السرير واتقلب على جنبه التاني أو على ضهره وعمل الصوت دا.
أميرة اتأخرت ليه؟
سألت نفسي وأنا لسه بفكر في الجثث, وبصراحة جي في بالي إني أفتح تلاجة من التلاجات واشوف جثة, ودي مش أول مرة أشوف جثة, أنا حضرت تغسيل جدي وعلى قد ما الموضوع كان رهيب ومهيب جدا لكن كان في أوله وبعد دقايق بقى عادي, أكيد برضو لو فتحت التلاجة وشوفت جثة هيبقى الموضوع صعب في البداية وبعدين هيبقى عادي, اتمشيت ووقفت في نص المشرحة وأنا باصص على التلاجات بفكر اختار أنهي واحدة فيهم, وياترى اللي هختارها هيكون جواها راجل ولا ست ولا طفل, هيكونوا عريانين صح؟
ممكن تطلع تلاجة فاضية, وأنا بفكر وبلف حوالين نفسي هنا وهناك ومش عارف ليه بصيت للمكتب والكرسي اللي كنت قاعد عليهم لقيتهم غيروا مكانهم, في الأول كان الكرسي البلاستيك لازق في الحيطة والمكتب قدامه مباشرة, دلوقتي بين الكرسي والحيطة حوالي نص متر والمكتب قدامه مباشرة بنفس المسافة اللي كانت قبل كدا, يعني كإن الاتنين شئ واحد واتحرك بعيد عن الحيطة بنفس الدرجة, قبل ما اخاف أو أفكر في أي حاجه سمعت صوت أميرة داخلة من الباب وبتقولي الشاي..
مردتش عليها وشاورتلها على الكرسي والمكتب اللي حطت عليه الشاي ولسه هسألها هما اتحركوا من مكانهم ولا أنا بيتهيئلي لقيتها بتسألني انت قومت من مكانك ليه وبتعمل إيه عندك؟
فكّرت أقولها الفكرة المجنونة اللي جات في بالي من دقايق بس خوفت أحسن تزعل أو تفتكرني شخص مهمل يعني وبلعب في أي حاجه وكان ممكن أعملها مشكلة لولا ما دخلت وأنقذت الموقف, بس هجاوب أقولها إيه يعني؟ كنت بتمشى؟ ولا بورتريه عجبني وقومت أتفرج عليه؟ ولا لون المشرحة واو ومين النقاش اللي عملهالكوا؟
ولما شافتني مش عارف أقول إيه ابتسمتلي بخبث وقالتي خلاص خلاص فهمت, أنا برضو لما كنت جديدة هنا وجيت أول مرة كنت زيك كدا, كان عندي فضول أتعرف على المكان حواليا، الظاهر فيه حاجات بينا مشتركة.
اجابتها ريحتني ومع ذلك معرفتش أتكلم،
مسكت كوباية شاي عشان تجيبهالي لكن قبل ما ترفعها نزلتها تاني وقالتلي بمكر إيه رأيك هوريك حاجة عمرك ما شوفتها ولا هتشوفها؟
سألتها حاجة إيه؟ وانا عارف إن قصدها على جثة أكيد, قالتلي جثة جات هنا من كام يوم لكن إيه حاجه تحفة.
هو أنا بقيت بارد ليه؟ ومش حاسس بخطورة الموقف اللي أنا فيه, هو الخوف راح فين؟
سألت نفسي وأنا شايفها بتتحرك ناحية تلاجة من التلاجات عشان تفتحها..
أكيد أنا مش خايف عشان فيه ست في المكان, الراجل بيطمن برضو بوجود ست جمبه..
أميرة فتحت التلاجة وشاورت بعنيها على الجثة وقالتلي تعالى شوف كدا، حاجه مبتاجيش هنا كتير، هنا بس بدأت أحس بالخوف، خفت أكتر مما كنت قاعد لوحدي، اتشجعت واتمشيت وأنا بقدم خطوة وارجعها تاني لحد ما وقفت ورا أميرة مع إني كان المفروض اقف قصادها من الناحية التانية للجثة، شوفت الجثة نايمة ونص جسمها مكشوف والباقي مغطى بملايه بيضة، الجثة كانت لشاب في بدايات العشرينات، جميل جدا بملامح أوروبية وشعر شبه أصفر، الشاب كان كإنه نايم في هدوء وكان باين على وجهه مسحة حزن، وأكيد حزنه دا بسبب المواقف اللي عاشها واللي مات بسببها ولا إيه اللي جابه هنا؟ أكيد جريمة قتل، أو حادث غامض ولم يستدل على معلومات عن الضحية.
ركزت مع نظرات أميرة للشاب وكانت عكس نظراتي تماما، كانت بتبصله كإنها بتبص للوحة فنية أو ساندوتش لذيذ، ومن غير ما تشيل عنيها من عليه ملامح وشها اتغيرت للحزن وقالتلي أكيد هيدفعوا فيه مبلغ كبير عشان ياخدوه للتشريح وأكيد كمان المسؤولين هنا مستنيين المهلة المسموحة لجثته تنتهي بسرعة دون التعرّف على هويتها عشان يقبضوا، المسكين دا الظاهر مرتاحش لا وهو عايش ولا هيرتاح وهو ميت.
بعدها قفلت التلاجة واتجهت لواحدة تانية من غير ما تتكلم وانا وراها، فتحتها وانا واقف وراها برضو وكانت فيها جثة طفل صغير، حوالي أربع سنين، بطنه مفتوحة من تحت رقبته لحد آخرها، ومفيش ولا أي عضو من الأعضاء الداخلية في بطنه، كانت فارغة تماما لدرجة إني شوفت ضلوعه وانحناءاتها، كان شبه الخروف لما بشوفه متعلّق عند الجزار وجاهز للتقطيع، نظرة واحدة للطفل كانت كفيلة بإني ارجع لورا وحطيت إيدي على بوقي وكنت هرجّع وحاولت أسيطر على نفسي بقدر الإمكان، سمعت صوت أميرة من ورايا بتكلم نفسها أكيد لقوه عند تجار أعضاء بعد ما قبضوا عليهم، وطبعا ولم يستدل على الجثة، وسكتت شويه وقالت وهي بتنهي كلامها، يا حسرة أبوه وأمه عليه.
قفلت التلاجة بهدوء وفجأة نبرة صوتها اتغيرت وقالتلي تعالا اوريك واحد ربنا يحرقه في جهنم يارب، وبقت تخبط رجلها في الأرض من شدة الغضب يعني وهي رايحة ناحية تلاجة وفتحتها بعنف يخالف حرمة الميت من وجهة نظري، وقالتلي تعالا شوف، أهي أمثال الناس دي موتها أحسن، الستات والبنات مبيسلموش منه لا بره ولا جوه، شوف ميّت ازاي؟ مش لو كان عايش كان أحسنلنا، بصراحة مفهمتش حاجه لكن كلماتها شجعتني والفضول قتلني عشان اعرف الميت دا عمل إيه أو اشوفه على الأقل، ولأول مرة وقفت قصادها من الناحية التانية من التلاجة مش وراها زي المرايةت اللي فاتوا، راجل أربعيني حليق الدقن بشنب كثيف، فيه بدايات صلع بتتكون على راسه وصدره مغطى بكمية لا بأس بيها من الشعر، آخر ما بصيت في كل حتة فيه سألتها ماله دا عمل إيه؟
قالتلي دا تاعبنا كلنا هنا تخيل إنه إنه، فضلت باصصلها مستنيها تكمل لكن الكلام وقف على لسانها ومرضيتش تكمّل وسكتت، وبسرعة غيّرت الموضوع بابتسامة وقالتلي تعالا هوريك جثة ست مش طايقاها ومستنيه ياخدوها من هنا بفارغ الصبر، وراحت فتحت التلاجة وانا بسألها ماله الراجل دا؟ قالتلي بس تعالا شوف دي وهقولك ماله الراجل تعالا، وقفت جمب التلاجة وبصيت على الست اللي قدامي، كانت في التلاتينات أو أواخرها مش متأكد، رفيعة نسبياً وملامحها حادة ومن خبرتي بقراءة الوشوش حسيت إنها لما كانت عايشة كانت ست مش ساهلة، قبل ما أسألها مالها قالتلي دي غيّارة ومبتحبش غير نفسها وعاوزه تاخد اهتمام الناس كلها لوحدها، كنت هسألها هو انتي بيبعتوكي تعيشي مع الناس قبل ما تموت ولما يموتوا تيجي تعملي تقارير عنهم هنا ولا إيه؟ اصل لو حكتلي عن واحد بس كان ممكن افتكر إنها كانت تعرفه قبل ما يموت أو بتشبّه عليه لكن كل ما تفتح تلاجة جثة تحكيلي حكايتها!
سألتها إنتي عارفة الحاجات دي كلها منين؟
كانت بتبص للست بقرف ولما سمعت سؤالي بصتلي وهي بتبتسم وقالتلي هجاوبك، ولا اقولك هخليك تعرف بنفسك لما تشوف الجثة دي.
اتمشت ناحية التلاجة وبصراحة نبرتها وكلامها خلوني أقف للحظات قبل ما اشوف الجثة اللي فتحت تلاجتها، خصوصا كمان إنها بعد ما فتحتها وقفت باصة عليا مستنياني أروح عندها، نظرتها كانت غريبة وغير مفهومة، كانت أكتر نظرة جدية شوفتها في عنيها لحد دلوقتي.
قرّبت من الجثة بترقّب وأنا بفكر إيه اللي ممكن يكون غريب في الجثة دي عن الجثث اللي فاتت؟ لكن لما قرّبت منها عرفت السبب لإني بعدها رجعت لورا وأنا مش مصدق, فضلت أنا وهي باصين لبعض للحظات وفي الاّخر سألتها هو مات؟
قالتلي وانت فاكر بعد الضربة اللي خدها منك هيفضل عايش؟
الدنيا لفّت بيا وافتكرت بعدها الموقف اللي خلاني سبت الشغل، أو بمعنى أصح هربت منه، بعد ما اتخانقت مع المقاول بسبب تأخر الأجرة وكنت محتاج فلوس ضروري أبعتها البلد لكنه كان مقاول ياكل مال اليتيم، ويحلف على المصحف ورقة ورقة، وياما أكل حقوق ناس, طلبت منه الأيام اللي اشتغلتها يعني مطلبتش منه سلفة زي ما ناس بتطلب وبيوافق لحبايبه بس أو لعصافيره بس، لكنه كلمني ببرود وعرفت إني مش هاخد منه فلوس وكلمة مني على كلمة منه صوتنا بقى عالي, لكن صوته كان أعلى وكلامه أقذر واتفاجئتت بيه بيشتمني بوالدتي، بعد ما سمعت الشتيمة تقريبا مسمعتش حاجه ولا شوفت حاجه كنت مُغيب عن الوعي، وفي ثواني رفعت الكوريك اللي في إيدي ونزلت بيه على دماغه ومن شدة الضربة وقع على الأرض ومسك دماغه وهو بيصرخ والعمال اتجمعوا حواليه وانا سبت المكان ومشيت, وقولت عوضي على الله في الأيام اللي اشتغلتها وراحت عليا, رنّوا عليا كتير بعدها لكني مفتحتش على أي حد فيهم، كلهم عارفين إني مش غلطان وعارفين أخلاقي، واّخر ما زهقت كسرت شريحة التليفون.
أنا كنت فاكره هيتعالج ويطلع بعد اسبوع ولا اتنين وكمان بصراحة هربت عشان الشرطة وسين وجيم وأكيد هتيجي في صفة فقولت أختفي فترة لحد ما الدنيا تهدى والزمن بينسى.
فوقت من أفكاري وقولتلها كنت فاكرها ضربة وتعدي, بصتلي بسخرية وقالتلي واهي معدّتش يا أستاذ.
بعدها اتحركت مش عارف راحت فين وسابتني مذهول وغرقان وسط أفكاري, يعني أنا قاتل؟ يعني البوليس بيدور عليا؟ يعني ممكن أدخل السجن واتعدم؟
نادت عليا وانتشلتني من وسط أفكاري ولما بصيت عليها لقيتها فتحت تلاجة تاني وبتشاورلي بدماغها يعني شوف دي كمان..
فيه إيه؟ هو أنا قتلت حد تاني؟
رجليا بدأت تتنفض وانا بتمشى ناحيتها ونفسي كل دا يطلع حلم أو كابوس, وبمجرد ما قرّبت منها لقيتها نايمة, رجعت بصيت للوش اللي واقف قدامي لثانية وللوش اللي نايم ثانيتين, بعدها حسيت زي ما يكون.. عارفين الكهربا لما تمشي في الكابل كدا لأول مرة؟ أنا حسيت إن فيه كهربا مشت في جسمي بنفس السرعة, وفي ثانية قلبي بدل ما كان بيدق بهدوء بقى يدق زي الطبلة, اّخر مرة عنينا التقوا ببعض كان وشها خالي من التعبيرات كان مخيف ومرعب جدا كإنه صنم وفيه روح.
من سرعة انطلاقتي في الجري في أول خطوة كنت هتزحلق لكن ربنا ستر وبأقصى سرعتي وبخوفي وهلعي وضربات قلبي اللي زادت جريت ناحية الاستراحة مش عارف ليه وانا بتخبط في الحيطان، مكنتش عارف أفكر في المقاول ولا في الجثة اللي قاعد معاها من الصبح؟ وبمجرد ما دخلت قفلت الباب على نفسي وانا بحاول اّخد نفسي ومش عارف أعمل إيه, واّخر شوية طاقة كانوا فاضلين فيّا يادوب وصلوني وقعدوني على السرير بعد ما حيلي اتهد وبعدها أغمى عليا أو معرفش إيه اللي حصلي؟
وكل اللي فاكره إن سيّد خبط عليا صحاني الصبح وقومت فتحتله وانا منهار وحكيتله كل اللي حصل معايا ومكانش مصدّقني.